کد مطلب:239600 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:144

لماذا علی البصرة فالأهواز
ان من جملة الامور التی كانت من جملة خطط المأمون للتأثیر علی مكانة الامام (ع) و حتی علی معنویاته النفسیة .. الطریق الذی أمر رجاء ابن أبی الضحاك [1] قرابة الفضل بن سهل، و الذی كان من قواد المأمون، و ولاته - أمره - بسلوكه، عندما أرسله لیأتی بالامام (ع) من المدینة الی مرو مهما كلفه الأمر ..

فقد أمره : أن یجعل طریقه بالامام « علی البصرة، و الاهواز، ففارس . و حذره كثیرا من المرور علی طریق الكوفة، و الجبل، و قم .. » [2] .



[ صفحه 367]



بل لقد ورد : أن المأمون قد كتب الی الرضا نفسه، یقول له : « لا تأخذ علی طریق الجبل و قم . و خذ علی طریق البصرة، فالأهواز، ففارس .. » [3] .

و سر ذلك واضح ؛ فان أهل الكوفة، و قم، كانوا معروفین بالتشیع للعلویین [4] و أهل البیت . و مرور الامام (ع) من هذین البلدین، و خصوصا الكوفة، التی كانت تعتبر من المراكز الحساسة جدا فی الدولة .. سوف



[ صفحه 368]



یكون من نتیجته: أن یستقبله أهلها بما یلیق بشأنه : من الاجلال، و الاعزاز و التكریم .

و لا شك أن الامام (ع) سوف یستطیع أن یستقطب المزید من الناس،



[ صفحه 369]



و یؤثر علیهم بما حباه الله من الفضائل و الكمالات الأخلاقیة، و بما آتاه الله من العلم و الحكمة، و الورع و التقوی، الذی سار ذكره فی الآفاق، حتی لا یكاد یجهله أحد .. و اذا كان أهل نیشابور، بل و حتی أهل مرو، معقل العباسیین و المأمون، قد كان منهم تجاه الامام ما لا یجهله أحد .. حتی انهم كانوا بین صارخ، و باك و متمرغ فی التراب الخ .. و حتی لقد خاف المأمون و أشیاعه علی دمائهم - اذا كان هؤلاء هكذا - فكیف تری سوف تكون حالة أهل الكوفة و قم، معقلی العلویین، و المحبین لأهل البیت، و المتفانین فیهم، لو أنهم رأوا الامام (ع) بینهم، و بالقرب منهم .. یقول الراوندی فی ذلك : « ان المأمون أمر رجاء بن أبی الضحاك : أن لا یمر بالامام عن طریق الكوفة، لئلا یفتتن به أهلها .. » [5] .

و المأمون لا یرید أن یفتتن الناس بالامام . و انما الذی یریده هو عكس ذلك تماما .. انه یرید أن یضع من الامام لا أن یرفع ..

أما أهل البصرة : فعثمانیة، یدینون بالكف، و یقولون : كن عبدالله المقتول، و لا تكن عبدالله القاتل .. بل لقد كانت البصرة معقلا مهما للعباسیین، الذین حرق دورهم زید النار، ابن الامام الكاظم، كما قدمنا ؛ و لهذا نلاحظ : أن دور البصریین فی التشیع لم یكن یضارع دور غیرهم، لا روائیا، و لا كلامیا ..

و أما ما ربما یحتمله البعض : من أن المأمون كان یأمل أن یخرج من البصرة، أو غیرها من یخلصه من الامام (ع) نهائیا .. فلا أری أنه یتفق مع أهداف و أغراض المأمون، التی كان یرمی الیها من وراء لعبته تلك ..



[ صفحه 370]




[1] و ذكر أبوالفرج، و المفيد : أن المرسل هو الجلودي، و لكن الصحيح هو الذي ذكرناه .. اذ من الخطأ أن يرسله المأمون لاحضار الرضا عليه السلام ؛ لأن ذلك يضر بقضيته، و يفسد عليه ما كان دبره ؛ لأنه موجب لسوء ظن الرضا عليه السلام، و العلويين، و سائر الناس، و تنبههم مبكرا لحقيقة الأمر، و واقع القضية ..

و ذلك لأن الجلودي هو الذي أمره الرشيد : أن يغير علي دور آل أبي طالب، و يسلب نساءهم الخ ما تقدم .. كما أنه كان عدوا متجاهرا للامام، و قد سجنه المأمون بسبب معارضته للبيعة للرضا عليه السلام بولاية العهد !! و لعل سر خطأهم هو أن الجلودي كان واليا علي المدينة من قبل المأمون، حين استقدام المأمون الي مرو، حسبما جاء في كتاب : الامام الرضا ولي عهد المأمون ص 35.

[2] تهذيب التهذيب ج 7 ص 387، و تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 176، و ينابيع المودة ص 384، و الخرائج و الجرائح طبعة حجرية ص 236، و اثبات الوصية ص 205 و اعلام الوري ص 320، و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 180 ،149، و الكافي ج 1 ص 486، و مسند الامام الرضا ج 1 ص 40 و البحار ج 49 ص 118 92 ،91 و 134، و كشف الغمة ج 3 ص 65 ، و غير ذلك كثير.

[3] اصول الكافي ج 1 ص 489، و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 149 و 180، و شرح ميمية أبي فراس ص 165، و معادن الحكمة ص 180، و اثبات الوصية للمسعودي ص 204، و مسند الامام الرضا ج 1 ص 73، و البحار ج 49 ص 134.

[4] تشيع أهل الكوفة و قم أشهر من أن يحتاج الي بيان، أو اقامة برهان .. لكننا نورد - مع ذلك - بعض الشواهد، تبصرة للقاري ء، فنقول :

أما الكوفة : فقد تقدم قول محمد بن علي العباسي أنها و سوادها شيعة علي و ولده .. و في الطبري، و ابن الأثير، و غيرهما تجد قول عبدالله بن علي للمنصور، عندما استشاره في أمر محمد بن عبدالله بن الحسن : « .. ارتحل الساعة حتي تأتي الكوفة، فاجثم علي أكتافهم، فانهم شيعة أهل هذا البيت، و أنصاره الخ .. » . و في قضية وفاة السيد الحميري، التي ذكرها المرزباني في كتابه أخبار السيد الحميري دلالة واضحة علي تشيع الكوفيين، و انحراف البصريين ..

و لأجل ذلك نري المأمون يستقبل وفدا من أهل الكوفة في منتهي الغلظة و الجفاء، فراجع مروج الذهب ج 3 ص 421 . و في البداية و النهاية ج 10 ص 93 : أن المنصور قد اعترف بأن لابراهيم بن عبدالله بن الحسن في الكوفة مئة ألف سيف مغمدة، و أعرب من مخاوفه من تشيع أهل الكوفة للعلويين، و ولائهم لهم .. بل اننا لا نستبعد أن يكون بنا المنصور لبغداد هو من أجل يبتعد عن الكوفة، و أهلها، و يأمن علي نفسه؛ قال البلاذري في فتوح البلدان ص 405 : « أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها . و ألزم كل امري ء للنفقة عليه أربعين درهما . و كان ذاما لهم ؛ لميلهم الي الطالبيين، و ارجافهم بالسلطان .. » . و قد تقدم أنه عندما ذهب اليهم العباس بن موسي، أخو الامام الرضا عليه السلام يدعوهم للبيعة، لم يجبه الا البعض منهم، و قال له آخرون : « ان كنت تدعو للمأمون، ثم من بعده لأخيك ؛ فلا حاجة لنا في دعوتك . و ان كنت تدعو الي أخيك، أو بعض أهل بيتك، أو الي نفسك أجبناك .. » .

و علي كل حال .. فقد كانت الكوفة مصدرا لثورات كثيرة علي الامويين و العباسيين علي حد سواء، تلك الثورات التي كانت كلها تقريبا بقيادة علوي، أو داعية الي علوي .. و لم ينس المأمون بعد ثورة أبي السرايا التي كادت تغير الموازين، و تقلب ماجريات الأحداث .. الي غير ذلك مما لا مجال لتتبعه و استقصائه ..

و أما تشيع القميين، فذلك أعرف و أشهر . و قضيتهم مع جبة دعبل التي أهداء اياها الامام لا يكاد يجهلها أحد .. و عندما طلب المأمون من الريان أن يحدث بفضائل علي عليه السلام، و أجاب بأنه لا يحسن شيئا، قال المأمون : « سبحان الله !! ما أجد أحدا يعيني علي هذا الأمر، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري و دثاري .. » ..

و لعل تشيع أهل قم هذا هو الذي دفع بالمأمون لأن يوجه اليهم عامله علي بن هشام ؛ لينكل بهم، و يحاربهم حتي يهزمهم، و يدخل البلد، و يهدم سورها، و يجعل علي أهلها مبلغ سبعة ملايين درهم، بدلا من مليونين، و هو ما لم يكن يدفعه أي بلد آخر يضاهي بلدهم في عدد السكان و غير ذلك من المميزات ، فكيف بالسبعة .. و مع أنه كان قد خفض الخراج عن السواد، و بعض البلدان الاخري ؛ فلما سمعوا بذلك طالبوا بتخفيض الخراج عنهم أيضا ؛ ففعل ذلك .. و كان تخفيضه عنهم بزيادة المليونين الي سبعة، كما قلنا .. راجع في تفصيل ذلك : الطبري ج 11 ص 1093، و الكامل لابن الأثير ج 5 ص 212، و تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 255، و النجوم الزاهرة ج 2 ص 190، و تاريخ التمدن الاسلامي مجلد 1 جزء 2 ص 337، و فتوح البلدان للبلاذري ص 440، و تجارب الامم ج 6 ص 460.

[5] الخرائج و الجرائح، طبعة حجرية ص 236.